ما هو هدف حياة المسلم
"
ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون "
بقلم:
محمد طاهر
الحلقة
رقم (1)
الحمد
لله والصلاة والسلام علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه ومن دعا بدعوته إلي يوم الدين
دفعني لكتابة هذا الحديث نوع من التساؤلات وجدت أنه يجمع بينها باعث واحد، وهو
فقدان الهدف الحقيقي من الحياة. فمثلا، ذلك التساؤل الذي يسأله كثير من الناس: هل
من الأفضل دينيا أن نستمر في المعيشة هنا ـ في كندا ـ أم نعود إلي بلادنا الأصلية
؟ إن هذا التساؤل يعبر عن الحيرة بين طريق الحياة هنا وطريق الحياة هناك، والحيرة
في أي الطريقين يوجه الإنسان حياته، ومنطقيا أنه إذا اتضح هدف الحياة فسيوجه حياته
في الطريق الذي يؤدي إلي هذا الهدف دون تردد وحيرة. هناك أيضا ذلك التساؤل: كيف
يمكن معرفة الإتجاه الصحيح دون الحاجة إلي التفقه في علوم الدين؟
في
هذا الحديث سنضع المبدأ الذي نحاكم إليه كل ما يعرض لنا في الحياة! سنحدد ما هو
الهدف من الحياة، ومن ثم سنعرف أين نوجهها الوجهة الصحيحة عند كل مشكلة تعرض لنا،
وسنجد الإجابة علي كل تساؤل يخطر لنا! من هذه التساؤلات التي سألتها ـ علي سبيل
المثال:
•
ما معني "العمل عبادة" ؟ هل يعني ذلك أن عملي هنا في كندا يعتبر عبادة
لله ؟ • ما معني "الزواج نصف الدين" ؟ ما هي علاقة الزواج بالدين ؟ •
لماذا نسمع أحيانا من علماء الدين أن مشاهدة مباريات الكرة ولعب النرد ومثل ذلك من
ألوان التسلية والتسلية تصرف خاطئ، لأنه إضاعة للوقت بغير فائدة، والإنسان محاسب
علي وقته وعليه أن يصرفه في عبادة الله ؟ ويري السائل أن هذا تزمت من علماء الدين.
فما
هو وجه الصحة في هذا الموضوع ؟ هذه التساؤلات سنجيب عليها في آخر الحديث بعد أن
نصل إلي خلاصته، وهي معرفة الهدف من الحياة، ثم نحاكم إليه هذه التساؤلات. أيضا
وفي ثنايا هذا الحديث سنجد الإجابات علي تساؤلات طالما سألها كثير من الناس منها:
•
لماذا نزلت الرسالات السماوية في منطقة الشرق الأوسط ؟ • ماهي العلاقة بين
الرسالات السماوية: الإسلام والنصرانية واليهودية ؟ • نسمع أن بني اسرائيل لم
يقوموا بمسؤولية الرسالة التي كلفوا بها، ولهذا استردها الله منهم وكلف بها العرب
مما يعني أن العرب لم يكلفوا بالرسالة إلا لأن بني اسرائيل فشلوا في حملها وهذا يتعارض
مع التقرير المسبق من الله أن تكون الرسالة الأخيرة في العرب! فما هو وجه الصحة في
هذا الموضوع ؟ • لماذا اختار الله بني اسرائيل لحمل رسالته وفضلهم علي غيرهم ؟ •
لماذا خصص الله تعالي أرضا لبني اسرائيل ؟ وهل هي مخصصة لهم إلي الأبد ؟ • إذا كان
الله تعالي قد خلق "آدم" أصلا ليعيش في الأرض، فلماذا أسكنه الجنة ثم
أنزله إلي الأرض بعد أن أخطأ ؟ • لماذا كان عمر الدولة المسلمة الأولي ـ عهد
النبوة والخلافة الراشدة ـ قصيرا ؟ هل لأن الإسلام دين غير عملي كما يقول البعض ؟
كذلك سيتضح لنا:
•
مفهوم دين الله من خلال استعراض حلقاته المتصلة التي بدأت مع "آدم" ـ
عليه السلام. • كيف يمكن إعادة الإسلام إلي الحياة. لكي نعرف هدفنا من الحياة
علينا أن نلجأ إلي من أوجدنا في هذه الحياة لنعرف منه الهدف الذي أوجدنا من أجله!
وباعتبارنا مسلمون ومؤمنون بالله، ومؤمنون بأن القرآن هو رسالته التي تشرح وتفسر
لنا كل شئ، وأنه ـ القرآن ـ لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وأنه دستور
حياتنا ومرجعنا في الحياة، إذن نلجأ إليه لنري ماذا يقول في هذا الموضوع .
آيتان
رئيسيتان تضعان الأساس في هذا الموضوع: الآية الأولي تعلمنا بالغرض من الخلق:
"وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" [الذاريات: 56] .. ومعني "يعبدون"
هو أن يقروا بالعبودية لي. "العبد" هو الذي يخضع لأوامر وتعليمات سيده
.. والعلاقة بين "السيد" و "العبد" تتمثل في أوامر من الأول
وطاعة من الثاني .. فإذا خضع العبد وأطاع يكون قد أقر بعبوديته ولم يرفضها .. أما
إذا استكبر وعصي فيكون قد رفض العبودية .
ومن
ثم فإن إقرار الإنسان بالعبودية لله يلزمه امتحان! .. امتحان يُكلـّف فيه بمهمة يظهر منها إن
كان سيؤديها طبقا لتعليمات وأوامر الله أم لا!
ما
هي هذه المهمة التي أرادها الله لامتحان الإنسان ؟ شاءت إرادة الله أن تكون هذه
المهمة هي "الخلافة في الأرض". وهذا يجرنا إلي الآية الثانية التي
تعرفنا بمهمتنا، وهي ـ كما عرّفها سبحانه وتعالي للملائكة: "وإذ قال ربك
للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة" [البقرة: 30] .. ومعني "خليفة"
هو نائب أو وكيل يقوم بمهمة نيابة عمن استخلفه. فما هي هذه المهمة التي استخلف
الله الإنسان ليقوم بها ؟
إنها
مهمة إدارة شؤون الحياة علي الأرض. وهنا يحدث الامتحان: إذا أدي الإنسان مهمته
طبقا لتعليمات وأوامر الله التي تقرر نظام الحياة علي الأرض فإنه يكون قد أقر
واعترف بعبوديته لله ــ أي عبَد الله .. وإذا لم يؤد مهمته طبقا لأوامر وتعليمات
الله التي تقرر نظام الحياة علي الأرض فإنه يكون قد استكبر علي الله وعصاه ورفض
العبودية له ــ أي لم يعبد الله.
إذن: نجاح الإنسان في امتحان العبودية يتوقف علي
مدي أدائه لمهمته في إقامة نظام الله للحياة علي الأرض. عندما قضت مشيئة الله
بهذا، كان من مقتضي عدله وحكمته أن يعرّف الإنسان بهذا النظام، وأن يعلمّه منهج
تطبيقه بالتجربة العملية. وكانت أول تجربة عملية في التطبيق تلك التي أجراها الله
تعالي لآدم وزوجه في الجنة لتدريبه علي مهمته قبل أن يبدأها علي الأرض. كانت
التجربة للتدريب علي الاختيار بين طاعة أوامرالله وبين عصيانها، ومعرفة النتيجة
التي تترتب علي كل منهما.
وأيضا لمعرفة الأسباب التي تؤدي إلي عصيان أوامر
الله، والتي تتركز في طاعة هوي النفس التي ينفخ فيها الشيطان بوسوسته. وكانت هذه
التجربة نموذجا للامتحان الذي سيقابل آدم وذريته علي الأرض. أخذ آدم وزوجه الدرس
والعبرة، وأنزلوا ـ مع إبليس ـ
إلي الأرض لكي يبدؤا مهمة الخلافة، ومعهما عهد من الله بأن يهديهما وذريتهما
لنظامه ومنهجه الذي يطبقونه لكي ينجحوا في الامتحان. هذا العهد تعرّفه لنا الآية:
" قلنا اهبطوا منها جميعا، فإما يأتينكم مني هدي فمن تبع هداي فلا خوف عليهم
ولا هم يحزنون. والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون
" [البقرة: 38،39]. نزل آدم وزوجه إلي الأرض مقرّين بعبوديتهما لله.. ومارسا
حياتهما علي أساس هذا المبدأ ــ مبدأ العبودية لله وحده. وبدأت ذرية آدم تنتشر في
الأرض.
تابع
الحلقات القادمة
تعليقات
إرسال تعليق